الفنان فؤاد الكعبازي
ــــــــــــــــــــــــــ
الطفل الرجل الكهل .. الراحل الدكتور فؤاد الكعبازي
مريم سلامة
لم أعرفه إلا متدفق النشاط والكلام غنيا بذاته يتسيل ويتشعب بين معارف عديدة ثم يعود الى نقطة البدء بمهارة فائقة. غادرنا إلى دار البقاء الرجل الفذ متعدد المواهب النشط في خدمة الوطن والانسان أينما كان بما حباه الله من أسباب الغزارة في العلم والفن والمعرفة من أسرة عريقة حضنته بحب واهتمام الى بيئة اصيلة بالابداع والتنوع الى ذهن وقاد متطلع الى اكتساب المهارات وتعلم اللغات وبناء الذات. عرفته منذ التحاقي بالمؤسسة العلمية الثقافية مشروع المدينة القديمة في غرة يناير 1990 حيث كنت أعمل مترجمة وكان د. فؤاد الكعبازي مستشارا للشؤون الثقافية والتاريخية والفنية. تأصلت به معرفتي من خلال حوارات عديدة جمعتني به على المستوى الشخصي او العملي على هامش ما كان يعرف بالعروض التاريخية والهندسية للشروع في ترميم وصيانة المواقع التاريخية. و كذلك على صعيد الزيارات الميدانية المتكررة للمدينة القديمة ومواقعها التاريخية. كان يتدفق حيوية وحبورا يجمع بين الشخصية الجادة والمازحة كما كان يتدفق علما ومعرفة في كل شيء تقريبا التاريخ المعمار البيئة اللغات الالسن الضوء الظلال النقوش الرسوم مواد البناء التخطيط الهندسة البنية التحتية... كان موسوعيا اكاديميا من الطراز الرفيع وكنت اسميه مبهورة بجده ولعبه «(الطفل الذي ولد رجلا والرجل الذي لا يهرم أبداً) ولد الراحل د. فؤاد الكعبازي في 11/ 8/1920، في كوشة الصفار في حومة البلدية في المدينة القديمة طرابلس ونسبه ابو ناجد حسن فؤاد مصطفى ذهني محمد الصديق الكعبازي الصالحي المخزومي الادريسي والده الشيخ العلامة مصطفى الكعبازي وامه كريمة الصحفي التركي الشهير محمد داوود اسعد افندي مؤسس مجلة الفنون الصادرة باللغة العربية. تلقى تعليمه بداية في كتاب الشيخ حورية ثم تخرج من مدرسة الإخوة الرهبان الفرير سنة1934 اجتاز امتحان القبول في المعهد الفني للهندسة والمساحة والمحاسبة وكانت مدة الدراسة به (8 سنوات)مناصفة بين مواد عامة وتخصصية. أتقن اللغة العربية قراءة وكتابة وعمل مترجم اخبار من الانكليزية إلى الايطالية للجرائد الايطالية والعربية ومنها جريدة طرابلس الغرب وكان ذلك في سنة 1943. عمل أيضا أستاذا لمادة الرياضة البدنية بجميع مدارس طرابلس الابتدائية وعددها 9 مدارس. من -1953 1957 عمل في وكالة التنمية والاستقرار بطرابلس وعمل ناظرا للأشغال العامة.. ومن أعماله في هذه الفترة شبكة تصريف مياه منطقة ميناء طرابلس معالجة حوض وادي المجينين إنشاء خزان القبة(ربوة البولاقي)سابقا نافورة الزاوية السنوسية بالبيضاء. عُين وزيرا للمواصلات من -1957 1961 في هذا العام 1961 تحصل على درجة الدكتوراه من الجامعة التيبرية بروما في الادب المقارن وعنوان الأطروحة اثر العرب في المدرسة الصقلية وتحصل على عضوية هذه الجامعة التي كانت تعمل على استقطاب الشخصيات الفذة من كل أنحاء العالم. عمل مستشارا في العديد من المؤسسات العلمية في ليبيا ومنها مشروع المدينة القديمة ومجمع اللغة العربية.. صمم العديد من الطوابع البريدية وأسس أول جريدة تُعنى بالرسم الساخر وشارك في تنفيذ العديد من الاعمال السينمائية العالمية التي صورت في ليبيا في فترة الستينيات ومنها الخيمة السوداء والطريق الى تمبكتو وغدامس جوهرة الصحراء واعد مجموعة من السيناريوهات منها طرابلس عروس المتوسط.. حياة البيد.. واحة من الرخام. ولاجتهاده واعماله المتميزة في مجال الديانات وعلوم القرآن الكريم اختير ليكون سفيرا لليبيا في دولة الفاتيكان من -1998 2003 على الرغم من أن النظام السابق المباد عمل على إقصائه وقد سجن اثر الانقلاب العسكري في1969. تقف حدود الدراسة التي اجرتها شقيقتي كمشروع تخرج من قسم اللغة العربية في أواسط التسعينيات ولم تصل إلى مرحلة السفارة في الفاتيكان ومن هذه الدراسة التي نعدها لتكون كتابا عن الراحل استقى معلومات هذه المقالة.. هنا يذكر صديقه الأستاذ إبراهيم الهنقاري في مقال له نشره موقع ليبيا المستقبل انه عندما عين سفيرا في الفاتيكان قيل له ان الوقت المحدد له مع البابا ربع ساعة ولكن لثقافته وغزارة علمه وفهمه لتاريخ الأديان أبقاه البابا ما يقرب من ساعة كاملة وعندما هم الكعبازي بالخروج قال له البابا «لا يبدو انك بدوي يا سعادة السفير» فقال الكعبازي «يا قداسة البابا حتى البدوي يمكنه أن يكون دبلوماسيا جيدا». في مطلع التسعينيات وقع بين يدي قصيدتين بالانكليزية للراحل واحدة عن طرابلس والأخرى عن البدوي وهذه الأخيرة في غاية الجمال تكشف عن أصالة الكعبازي واعتزازه بهويته أنشر جزءاً قصيراً منها بمناسبة هذا الحوار مع بابا الفاتيكان يقول فيها «أيها البدوي الجسور من بني وطني قف لبرهة وادخل وقبل أن تفعل أطفئ ظمأك من هذا النبع البارد وصافح يدي التي لم تعد مكبلة وغني معي للحرية ملاذنا ومرادناالوحيد ترجل عن جوادك واشرب سأمدك بالماء إذا كنت تجد في الانحناء مذلة «. رحم الله فؤاد الكعبازي وألهمنا في فقده جميل الصبر.
( الصورة لاول مدرسة ثانوية للبنين بليبيا فى العام 1946 م بطرابلس و فيها من اليسار جلوسآ مضفر الامير - محمود فرحات - محمد مسعود فشيكة - فؤاد الكعبازى - و فى الخلف مجموعة من اقدم المباشرين بالمدرسة )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموضوع منقول عن الفيس بوك ـ وجوه مشرقة