مصطلــحات نراثـيـة
ــــــــــــــــــــــــــ
( الشعـر العـامي المنـغـّم)
قـد يـسأل البـعض لـماذا هـذه التسمـية للشعر الشعبي (( الشعـر العامي
المـنـغم ))..
وما هـو النقصود منها ..؟؟ ، وللإجابـة عـلى ذلك أقـول : ـ
إن المأثورات الشعبية عـلم مستـقـل قائم بذاته .. ولها خصائصها وصفاتها
التـي تـمـيزها عن باقـي العـلوم ..ومن أهم هذه الخصائص:ـ
أولا : ـ إعـتمادها على الشفاهـية والتـقليد والمحاطة لإنـتـقالها من جيل الى
جـيل ...
ثانيا : ـ إنـها بشكـل عام مجـهولة المـؤلف (خصوصا في أصولهـا) وهي
دائما في تطورمستمربما يواكب تطورالمجتمع الذي أنشأها وثوارتتها أجياله
المتعاقـبة عن بعضها ..
ثالثا : ـ تعـتبر المأثورات الشعبية في كل بيئة ملكا خاصا لأبناء مجتمعها
الذين توارتوها جيلا بعد جيل عن أجدادهم الذين أسسوا لهـا ..
والشعـرالشعبي يعتبرغصنا رئيسيا من أغصان (الفنون القولية) التي تعتبر
الفـرع الأساسي للمـأثورات الشعبية بصورة عامة..وهي تستخدمه في كثير
من الأحيان لتصويرنفسها وإبـرازمضامينها وشخـوصهـا .
وهذا النوع من الشعر(الشعرالشعبي المجهول المؤلف) ..
يبقى له قدرته البلاغية في التعبيروالتأثيرالمباشرعلى النفس ، وإن كان هو
دائما في تطورمستمرومواكبا لكل ما يحدث في المجتمع من تطور وتغيير
على مرالعصور..حيث إستمر الشعراء في نظم قصائدهم الشعرية في كل
مجالات الحيـاة على طرزه وشاكلته وأنغامه (أوزانه) التي لا تحصى ..
** والسؤال الذي يطرح نفسه الآن .. هـو : ـ
هـل مصطلح (الشعرالشعبي) يفي بالغرض الذي وضع هومن أجله وهو
شموليته ـ لكل الشعرالمنظوم باللهجة العامية أوالدارجة ..؟؟ ... وللإجابة
على هذا السؤال أقول : ـ
من المعروف أن الشعرعند العرب قد صار ثلاثة أنواع هي : ـ
1) ـالشعرالعربي الفصيح ، أي أنه قابل للصرف والإعراب ، وينظم على
بحورالشعر العربي بتفعيلاتها المعروفة .. وهو ((شعـر مقفى)) .
2) ـ الشعرالعمـودي: وهوغير(مـقفى) في أغلـبه ، وينظم باللغة العربية
الفصحى وباللهجات المحلية أيضا .. وهـو (مـحدث) ..وهو الذي صاروا
بطلقون عليه إسم (الشعر المحكي] خطأً ولبسا ، فالشعر يلقى ولا يحكى .
3) ـ الشعرالمنظوم باللهجة الدارجة(العامية) ، وهو(شـعرمقفى) ويخضع
الى نظم وصيغ من أهمها أنه ينظم على أنغام موسيقية(أي أن أساس نظمه
هوالنغم الموسيقي الغنائي) ولذلك يعتبر(شـعرا منـغما) من أساسه ، حيث
يغنى مع بداية نظمـه .. وفي ذلك قـد يشترك مع الشعـرالفصيح الذي كان
يغنى ويلقى في المجالس المختلفة.. ولكن لغة الشعرالشعبي(عامية) ، مما
يميزه عنه .
ومنذ زمن بعيد قد إجتهد ولايزال يجتهد الباحثون والدارسون المتخصصون
في العلوم الإنسانية وعـلم المأثورات الشعبية(علم الفولكلور) للوصول الى
إقرارمصطلحات تخص موادها ومن ضمنها مصطلح علمي يشمل كل الشعر
((عامي اللغـة)) .. وفي إطار ذلك فقد أطلق عليه مصطلحات : ـ
(( الشعرالعامي ـ الشعرالدارج ـ شعرالنجوع ـ شعرالبادية ـ شعرالبوادي ـ
شعــرالعوام ....الخ)) ثم مصطلح ( الشعرالشعبي) الذي برزوأصبح من
أشهرهذه التسميات وأكثرها إستخداما ، ويقصد به كل (الشعرالعامي اللغة)
حتى أصبح يقال (مهرجان الشعرالشعبي) عند إنعقاد حلقات للمنافسة بـين
شعرائه ، وهذا بالطبع مصطلح خطأ..لأن الشعرالملقى في هذه المهرجانات
هو ملكا لمؤلفيه وليس ملكا للشعب كي نصفه بالشعبي .. ومثال ذلك ..هل
يمكننا أن نقول عن كتاب معروف المؤلف، أنه من تأليف أناس آخرين وتعود
ملكيته لهم ، ولوحفظوه وصاروا يتداولونه ويتغنون به ..؟؟ .
والجواب سهلاجدا..وإن كان البعض يرى أن ترديد الناس لهذا الشعرالجديد
وإنتشاره بينهم ، يعطيهم الحق في وصفـه بالشعبي ، رغـم معـرفة مـؤلفيه ..
أقول(ويجب أن يكون الأمرواضحا)، في هذه الحال يمكن أن نعرف الشاعـر
بأنـه (شاعرا شعبيا) نظرا لشهرته التي إكتسبها بإنتشارشعره الذي في نهاية
الأمريبقى(مـلكا له وحده)، وأن أي كان لا يمكنه نسبته اليه والا قاضاه هذا
المؤلف .. فكيف يكننا إذن وصف هذا الشعر(بالشعبي) وبالتالي إطلاق هذه
الصفة على هذه المهرجانات ..
وخلال ستينات القـرن الماضي ظهر مصطلح(الشعرالشعبي الملحون) وكان
محاولة جديدة لتسمية مصطلح يشمل كل((الشعرالمنظوم باللهجة العامية))
سواء المجهول أوالمعروف مؤلفه ، ولكن من وجهة نظري هوالآخركمصطلح
(الشعرالشعبي) لايفي بالغرض ، وذلك لعدة أسباب من أهمها : ـ
أولا ـ إن كلمة(الشعبي) تضيق من مجال شمولية المصطلح لهذا الشعركله ،
لأنها في هذه الحالة تعني أن هذا الشعر(الشعرالعامي) تعود ملكيته للشعب ،
وهذا غيرصحيح ، فالشعرالمملوك للشعب هو ذلك الشعر(المجهول المؤلف)
والذي ثوارتته الأجيال جيلا عن جيل فقط ..
ثانيا : ـ إن كلمة(الشعبي) لاتشمل الشعرالمنظوم باللهجة العامية كله ، لأن
بعضه ملكا خاصا لمؤلفيه سواء كانوا(أحياء أم أموات) ولكنهم معروفون ..
وسواء أكان هذا الشعرقديما(( يروى)) أوحديثا يقوم مؤلفه وحده بغنائه أو
إلقائه .. ورغم أن هذا الشعرالمعروف مؤلفوه منظوم على شاكلة (( الشعر
الشعبس ـ مجهول المؤلف)) من حيث اللفظ والعبارات والتنغيم .. إلا أنه
يبقى ملكية خاصة ، ولا يستطيع أي فرد من الشعب إدعاء ملكيته .. ولهذا
لا يمكن وصفه بالشعبي، ولكن في نفس الوقـت لا يجوزإهماله أو نسيانه أو
إلغاؤه لأنه يعتبر تطورا طبيعيا((للشعرالشعبي)) الذي يمكن أن تضـم له
هذه الأشعار بمرور الزمن ـ أي بعد نسيان مؤلفوها ـ فتعود بالتلي ملكيتها
للشعب ..
ثالثا : ـ إن تسمية الشعـر( بالشعرالشعبي ) قد لا تعني (عامية لغـته) ،
فربما توجد أشعارا باللغة الفصحى ( مجهولة المؤلف) وتعتبرملكا للشعب
أيضا ..
ولهذا وجب التميـيز بينهما بتحديد نوع اللغة المنظوم بها الشعرالمقصود ـ
فصيحة أم عامية ـ فنقول : الشعرالعامي . أوالشعرالعربي الفصيح ..
رابعا : ـ إن اللحن ، أي كلمة ((لحـن)) عند العرب تعني تكسيرقواعد
اللغة العربية وإن إرتباط هذه الكلمة بالموسيقى لعله حديث العهد، ويقول
الأستاذ محمد المرزوقي(رحمه الله) في محاضرة له(وقدلانستطيع تحديد
الزمن الذي سمع فيه" الشعرالملحون"لأول مرة ، واللحن هنا نقصد به
نطق اللغة العربية الفصحى ـ بلهجة غيرمعربة ـ ومخالفة لقواعد إعرابها).
وأرى أن الأستاذ المرزوقي بقـوله (الشعرالملحون) هــولا يقصد ـ اللحـن
الموسيقي ـ كما فهم البعض من سياق حديثه الذي أورده في كتابه(الأدب
الشعبي) أيضا ، ولكنه يقصد أن هذا الشعرالعامي اللغة لا يخضع لقواعد
اللغة العربية الفصحى حسبما فهمت أنا .. وفي إطار تحليلنا لهذه الكلمة
( لحـن ) ومن ناحية منطقية أيضا أقول:
(( أن الموسيقى نغـم .. وليسـت لحـن )) ..
ولعل عملية تأنيثنا لهاتين الكلمتين قد تسلط بعض الضوء على المطلوب
توضيحه ، وهوإفهامنا وإقناعنا بأن الموسيقى هي((نغم فعلا )) .. حيث
يمكننا القول : ( نغم موسيقي ، ونغمة موسيقية ) ..
وبالمقابل قد يقبل أن نقول (لحن موسيقي) ..ولكن قولنا(لحنة موسيقية)
غير مستساغ لفظ ولا إستماع ، بل وفيه شيئ من الركاكـة وعدم الفنية ..
ومما سبق ذكره نلاحظ أنه إذا أردنا أن يكون هذا(الشعركله أي المنظوم
بلهجة عامية) ـ وميزانه((النغمة الموسيقية الشعبية)) تحت عنوان واحد
مصطلح عام) ، فلابد أن يكون مصطحا يفهم منه مباشرة شموليته لكــل
المواضيع التالية : ـ
1) ـ الشعر العامي ( الشعبي ) .. وهو مجهول المؤلف ..
2) ـ الشعر العامي ( الحديث ) .. معروف المؤلف ، وهو نوعان :
** أما أن يلـقيه أو يغـنـيه المؤلف بنـفسـه ..
** أو ذلك الشعر(المروي) من قبل شخص آخـرغير الشاعرالمؤلف
الحقيقي له ..
وعلاوة على ذلك يجب أن يشير(المصطلح) المطلوب الى أن هذا النوع
من الشعركان ومـا يزال أسـاسه و" ميزانه " هو(النغم الموسيقي الغنائي
الشعبي) .. أي ينظم على تنغيم موسيقـي سابق يدندن الشاعر به أولا ..
ولهذا فإن هذا الشعرالعامي ينتج وينظم(منـغما) منذ البداية وجاهزا للغناء
أو الإلقـاء مباشرة ، بنغمات ونبرات صوتية خاصة ، تضفي عليه شي من
الرومانسيـة والإثارة العاطفية المؤثرة .. بنوعيه ( القصصي ) أو شعـر
(
الموضوع الواحد ) .
ومن ذلك كله فأنني لتعريف هذا النوع من الشعرتراني لا أجد أنسب من
هذا المصطلح وهو:
((( الشعر العامـي المنـغم ))) .........
ليشمـل كافة الشعرالمنظوم (( بلهجة عامية )) وقاعـدة نظمه الأساسية
هي (( النغم الموسيقي الشعبي )) .. وسواء كان ( مجهول المؤلف )
ومملوكا للشعب ، أي شعبي ، أو( معروف المؤلف ) وحديث العهد ..
وهـذا المصطلح لا ألزم به أحد .. وأتركه للبحث والدراسة وفرصة
الإقتناع به وتأكيده .. أو نفيه من قبل المتخصصين في هذا المجال ،
شرط الإثبات بالأدلة والبراهين العلمية الدقيقة المقنعة .
واللـه المستعان ...وهوالعالم بالقصد وولي التوفيق ..
منير تاج الين منير
ــــــــــــــــــــــــ
السيلاوي..الغريفة
15ـ 2 ـ 2010 م